٦ شظايا حملها الجد في رأسه أثناء دفاعه عن قريته الغابسية، لازمته في مخيم عين الحلوة ٥٢ عامًا الى أن توفي بالسويد قبل سنوات..
و٦ من أحفاده يعودون إلى قرية جدهم ومنزله المهدم بعد ٧٠ عامًا على النكبة..
حسين المقدح، كان شابًا في الـ ١٩ من عمره، خلال أيام النكبة، وكغيره من الشبّان، تطوّع للقتال بسلاح رديء وعسكر في شمال فلسطين، أصيب بجروح بليغة في رأسه، لتستقر الشظايا في جسده، ويحملها معه إلى الشتات، إلى مخيم عين الحلوة في صيدا جنوب لبنان.
بعد نشر فيديو #عروس_عكا، تواصلت معي ابنة حسين المقدح، فادية، التي ولدت في مخيم عين الحلوة، وتحمل جنسية أجنبية، أخبرتني برغبتها القدوم إلى فلسطين لأول مرة، مع أطفالها الستة، حتى تعود إلى قريتها الغابسية شمال شرق عكا، وتحاول العثور على منزل عائلتها.
توجهنا الى الغابسية التي لم تسلم من الهجوم الكبير الذي قامت به "الهاغاناه" قبل انتهاء الانتداب البريطاني في فلسطين، وكان الهدف منه احتلال جميع القرى الساحلية من عكا شمالاً حتى الحدود اللبنانية.
استقبلنا السيدان داوود بدر وخليل خلف الله على مدخل القرية، اللذان وُلدا في الغابسية، ويحفظان سكانها ومنازلهم المهدومة عن ظهر قلب، داوود بدر "أبو بدر" كان يبلغ من العمر حينها ٦ أعوام، عندما هاجمت "الهاجاناه" قريتهم في ٢١ أيار/مايو من عام ١٩٤٨،
ليتفرّق أفراد العائلته، فله أخت وأخ تهجروا الى لبنان لم يرهما منذ ذلك الحين، بينما باقي أفراد العائلة بقوا داخل فلسطين.
أما خليل خلف الله "ابو غازي"، فقد كان شابًا يافعًا، استشهدت جدّته فاطمة السيتي، رميًا بالرصاص في منزلها.
مشينا جميعنا بين أشجار الصبّار وركام المنازل، صادفتنا في الطريق يافطة كُتب عليها: "الغابسية ترحب بكم"، علقت قبل يوم من وصولنا لفعالية تَصوّر العودة نظمتها "جمعية الدفاع عن حقوق المهجرين".
أكملنا حتى وصلنا المسجد، وهو البناء الوحيد الذي ما زال قائمًا في القرية، وإن كان قد هدم جزئيًا، وتعرض للاعتداء عدة مرات.
أخرج أبو غازي خريطة كبيرة عليها رسم هيكلي وتخطيط لكل منازل القرية مرقمة، وعلى أسفل الخريطة، كُتبت أسماء أصحاب المنازل، "طيب يا بنتي انتوا من دار المقدح، بيتكم رقم (٥١) الحقوني"؛ قال الثمانيني أبو غازي.
وصلنا الى مكان المنزل الذي أصبح أكوامًا من الحجارة، أجلست فادية أطفالها الستة على الركام، وحضنتهم بشدة، أخرجت من جيبها صورة والدها وقبّلتها، لم تبكِ ولم تندب، بقيت قوية، وبدأت تسرد لهم،وهم منصتون بشدة،
عن كلِّ ما أخبرها به والدها عن الغابسية وحياتهم العامرة بها وقصة اللجوء والتهجير والمخيم واجتياح لبنان ٨٢، ثمّ أخذت ما تيسّر لها من التراب في مكان جلوسهم، وعادت إلى شتاتها، لتضعه على قبر أبيها هناك.