ذلك المنزل في المصرارة

المصرارة حيُّ صغيرٌ نسبياً بُنيَ على مراحل ابتداءً من عام ١٨٦٠ كأوائل الاحياء السكنية خارج أسوار البلد القديمة من القدس، ولكنه شهد ازدهاراً معمارياً عام ١٩٢٠ وكثرت فيه المدارس الابتدائية والثانوية، لعل أهمها المدرسة الدستورية التي اسّسها خليل السكاكيني عام ١٩٠٩.

تم احتلال ثلثي الحيّ عام ١٩٤٨ فيما بقي ثلثه الأقرب إلى باب العمود مع العرب، فشهد قبل النكبة وبعدها العديد من الهجمات كونه يقع على خط التماس الفاصل للمدينة.
وطّنت سلطات الاحتلال اليهود القادمين من المغرب العربي في الجزء المحتل من المصرارة بعد النكبة، وكانوا يُسكِنون عشرات الأفراد في البيت الواحد فالمنزل الفلسطيني المكوّن من ٤ غرف مثلاً كان يسكنه أربعون يهودياً شرقياً بواقع ١٠ أفراد في الغرفة الواحدة.

استمر الأمر على هذا الشكل حتى أخرجتهم السلطات من هذه المنازل ووضتعهم في اسكانات قريبة مكتظة تم بناؤها لاستيعابهم وأسكَنت بدلاً منهم يهوداً غربيين "أشكناز" في المنازل العربية الجميلة مما سبب حنقاً وغضباً من الشرقيين أدى في نهاية المطاف إلى تأسيس حركة الفهود السود التي انطلقت من المصرارة عام ١٩٧١ بهدف إحداث ثورة اجتماعية في المجتمع الإسرائيلي لشعور الشرقيين باضطهاد الغربيين لهم وبسبب التمييز والعنصرية في التوظيف والخدمات، ولكن هذه الحركة وهذا التمرد تم قمعه وانتهى عام ١٩٧٣.

أما المنزل الظاهر في الصورة فقد بُني في أواخر القرن التاسع عشر، وبعد النكبة حوّله الاحتلال إلى مدرسة دينية "بيت يعقوب" وتحول لاحقاً إلى مدرسة لتعليم فنون التصوير، ولكن المصادر الاسرائيلية عندما تتحدث عن هذا المنزل فإنها تذكر:
(ربما يكون منزلاً لثري أثيوبي بناه لحبيبته أو منزلاً لعائلة فلسطينية)، وهنا ندحض هذه الرواية ونؤكد على فلسطينية هذا العقار.
ففي عام ١٩٢٥ زار الوزير آرثر بلفور فلسطين لأول مرة بعد إعطائه الوعد المشؤوم بثماني سنوات، فعمّت احتجاجات واسعة بين عرب فلسطين،
وخرج الأهالي في مظاهرات وأعلنوا اضراباً شاملاً وقاموا بتعليق الأعلام السود في الشوارع والحارات وفوق المنازل كما على هذا المنزل الفلسطيني في المصرارة..
مرفق في التعليق الأول صورة صاحب المنزل على شرفته رافعاً الأعلام السود رفضاً لزيارة بلفور الى فلسطين !

#كنا_وما_زلنا

المصادر:
- الصورة بالأسود والأبيض عام ١٩٤٨ Franz Schlensiger - Central Zionist Archives.
- مقابلات رؤوبين أبيرجل أحد مؤسسي حركة الفهود السود.
- مكتبة الكونجرس.